فصل: أما الْأَحَادِيث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّادِس:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَلْعُون من نكح يَده».
هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى تَحْرِيم الاستمناء، وَهُوَ غَرِيب لَا يحضرني من خرجه، وَفِي جُزْء الْحسن بن عَرَفَة: ثَنَا عَلّي بن ثَابت الجرزي، عَن مسلمة بن جَعْفَر، عَن حسان بن حميد، عَن أنس بن مَالك، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «سَبْعَة لَا ينظر الله إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يزكيهم وَلَا يجمعهُمْ مَعَ الْعَالمين، ويدخلهم النَّار أول الداخلين إِلَّا أَن يتوبوا إِلَّا أَن يتوبوا إِلَّا أَن يتوبوا؛ فَمن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ: الناكح يَده، وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ، ومدمن الْخمار، والضارب أَبَوَيْهِ حَتَّى يستغيثا، والمؤذي جِيرَانه حَتَّى يلعنوه، والناكح حَلِيلَة جَاره».
وَهَذَا حَدِيث غَرِيب وَإِسْنَاده لَا يثبت بِمثلِهِ حجَّة: حسان بن حمير مَجْهُول، ومسلمة وَعلي ضعفهما الْأَزْدِيّ من أجل هَذَا الحَدِيث، وَسَاقه ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله كَذَلِك، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحسان لَا يُعرف وَلَا مسلمة ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث بَقِيَّة عَن إِسْمَاعِيل الْبَصْرِيّ، عَن أبي جناب الْكَلْبِيّ، عَن ابْن عُمَيْر عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَفعه «أهلك الله- عَزَّ وَجَلَّ- أمة كَانُوا يعبثون بذكورهم» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَيْسَ بِشَيْء؛ إِسْمَاعِيل مَجْهُول، وَأَبُو جناب ضَعِيف.

.الحديث السَّابِع:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يطوف عَلَى نِسَائِهِ بِغسْل وَاحِد وَهن تسع».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَمَا سلف وَاضحا فِي الْغسْل وَفِي رِوَايَة لأبي نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة عَنهُ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يطوف عَلَى تسع نسْوَة فِي ضحوة» هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب، وَذكر فِيهِ من الْآثَار عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- أَنَّهُمَا قَالَا: «تستأذن الْحرَّة فِي الْعَزْل».
أما أثر ابْن مَسْعُود؛ فَلَا يحضرني من خرجه عَنهُ، نعم؛ قَالَ ابْن حزم: قد جَاءَت الْإِبَاحَة للعزل فِي أَخْبَار صَحِيحَة عَن جَابر وَابْن عَبَّاس وَسعد بن أبي وَقاص وَزيد بن ثَابت وَابْن مَسْعُود، فِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الشّعبِيّ، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «مَا أُبَالِي عزلت أَو برقتْ. قَالَ: وَكَانَ صَاحب هَذِه الدَّار يكرههُ- يَعْنِي: ابْن مَسْعُود».
وَأما أثر ابْن عَبَّاس؛ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «نهي عَن عزل الحرّة إِلَّا بِإِذْنِهَا» وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: «يعْزل عَن الْأمة، وتستأمر الْحرَّة» ثمَّ رُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم وَمَنْصُور مثله، وَعَن أبي هُرَيْرَة عَن عمر: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عزل الْحرَّة إِلَّا بِإِذْنِهَا» وَفِي إِسْنَاده: ابْن لَهِيعَة، وَقد عَلِمت حَاله.

.باب فِي وَطْء الْأَب جَارِيَة ابْنه وَبيع الْأمة الْمُزَوجَة:

وَذكر فِيهِ عَن عَائِشَة «أَنَّهَا أشترت بَرِيرَة وَلها زوج فأعتقتها، فَخَيرهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو فسخ النِّكَاح لما خَيرهَا».
وَهَذَا الحَدِيث قد سلف بَيَانه فِي بَاب مثبتات الْخِيَار وَاضحا، وَذكر فِيهِ أَيْضا أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَنْت وَمَالك لأَبِيك».
وَهَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق:
أَصَحهَا: طَرِيق عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن رَجُلاً أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُخَاصم أَبَاهُ فِي دين عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنْت وَمَالك لأَبِيك».
رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم التَّاجِر، حَدثنَا حُصين بن الْمثنى الْمروزِي ثَنَا الْفضل بن مُوسَى، عَن عبد الله بن كيسَان، عَن عَطاء، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ، وَذكره عَنهُ صَاحب الْإِلْمَام وَأقرهُ عَلَيْهِ.
ثَانِيهَا: طَرِيق جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، إِن لي مَالا وَولدا، وَإِن أَبي يُرِيدُ أَن يَجْتَاح مَالِي! فَقَالَ: أَنْت وَمَالك لأَبِيك».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه عَن هِشَام بن عمار، ثَنَا عِيسَى بن يُونُس، ثَنَا يُوسُف بن إِسْحَاق السبيعِي، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء.
وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح جَليِلُ، وَكَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ: أَن إِسْنَاده ثِقَات، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث عبد الله بن يُوسُف، ثَنَا عِيسَى بن يُونُس... فَذكره.
وَرَوَاهُ ابْن صاعد، عَن الْحُسَيْن بن الْحُسَيْن الْمروزِي، عَن عِيسَى بن يُونُس. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِنَّه غَرِيب من حَدِيث يُوسُف بن إِسْحَاق، عَن ابْن الْمُنْكَدر، تفرد بِهِ عِيسَى بن يُونُس عَنهُ.
قَالَ الْحَافِظ مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد: وغرابة الحَدِيث والتفرد بِهِ لَا يُخرجهُ عَن الصِّحَّة؛ فَإِن البُخَارِيّ رَوَى فِي صَحِيحه من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر رَفعه: «من قَالَ إِذا فرغ النداء اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة التَّامَّة» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: غَرِيب من حَدِيث مُحَمَّد عَنهُ تفرد بِهِ شُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَلَا نعلم رَوَاهُ عَنهُ غير عَلّي بن عَيَّاش الْحِمصِي، وَحَدِيث الاستخارة رَوَاهُ البُخَارِيّ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: غَرِيب من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي الموَالِي، عَن مُحَمَّد عَن جَابر، قَالَ: وَهُوَ صَحِيح عَنهُ.
وَحَدِيث «رحم الله رجلا سَمْحًا إِذا بَاع» قَالَ: تفرد بِهِ أَبُو غَسَّان مُحَمَّد بن مطرف، عَن مُحَمَّد.
وَحَدِيث «كل مَعْرُوف صَدَقَة» تفرد بِهِ عَلّي بن عَيَّاش، عَن أبي غَسَّان، عَن مُحَمَّد أخرجهَا البُخَارِيّ فِي كِتَابه وَذكر هَذَا الحَدِيث عبد الْحق فِي أَحْكَامه من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه عَن جده وَسَيَأْتِي، ثمَّ قَالَ: وَقد صَحَّ من طَرِيق آخر ذكره الْبَزَّار. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْبَزَّار عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن عبد الْكَرِيم الْأَزْدِيّ ثَنَا عبد الله بن دَاوُد عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «أَنْت وَمَالك لأَبِيك» ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا يرْوَى عَن هِشَام عَن ابْن الْمُنْكَدر مُرْسلا وَلَا يعلم أسْندهُ هَكَذَا إِلَّا عُثْمَان بن عُثْمَان الْغَطَفَانِي، وَعبد الله بن دَاوُد.
قَالَ ابْن الْقطَّان: وَمن صَحِيح هَذَا الْبَاب حَدِيث ذكره بَقِي بن مخلد، ثَنَا هِشَام بن عمار، ثَنَا عِيسَى بن يُونُس... فَذكره كَمَا سَاقه ابْن مَاجَه سندًا ومتنًا.
قلت: وَرِوَايَة الْمُرْسل أخرجهَا الشَّافعي، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر «أَن رجلا جَاءَ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن لي مَالا وعيالاً، وَإِن لأبي مَالا وعيالاً يُرِيد أَن يَأْخُذ مَالِي فيطعمه عِيَاله! فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنْت وَمَالك لأَبِيك».
قَالَ الشَّافِعِي: مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر غَايَة فِي الثِّقَة وَالْفضل فِي الدَّين والورع، وَلَكنَّا لَا نَدْرِي عَمَّن قيل هَذَا الحَدِيث، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: هُوَ مُنْقَطع، قَالَ: وَقد رُوِيَ من أوجه مَوْصُولا لَا يثبت مثلهَا.
قلت: قد ثَبت بَعْضهَا كَمَا سلف، وَقَالَ فِي الْمعرفَة: قد رَوَى بعض النَّاس هَذَا الحَدِيث مَوْصُولا بِذكر جَابر فِيهِ وَهُوَ خطأ. قَالَ: وَقَوله: «إِن لي مَالا وَوَلَدًا» لَيْسَ فِي رِوَايَة من وصل هَذَا الحَدِيث من طَرِيق آخر، عَن عَائِشَة وَلَا فِي أَكثر الرِّوَايَات عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده. وَكَذَا قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله عَن أَبِيه أَن هَذَا أشبه من الَّذِي قبله وَأَن ذكر جَابر فِيهِ خطأ.
الطَّرِيق الثَّالِث: طَرِيق عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرجل: أَنْت وَمَالك لأَبِيك». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه «وأصغرها» عَن أبي زيد أَحْمد بن يزِيد الحوطي ثَنَا عَلّي بن عَيَّاش الْحِمصِي، ثَنَا مُعَاوِيَة بن يَحْيَى، عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الحميد بن ذِي حماية عَن غيلَان بن جَامع، عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة عَنهُ مَرْفُوعا بِهِ، قَالَ فِي أَصْغَر معاجمه: لَا يرْوَى عَن ابْن مَسْعُود إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد، تفرد بِهِ إِبْرَاهِيم بن عبد الحميد، وَكَانَ من ثِقَات الْمُسلمين. وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «إِن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه...».
الطَّرِيق الرَّابِع:
طَرِيق ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَعَدَّى عَلَى وَالِده، قَالَ: إِنَّه أَخذ مني مَالِي! فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما علمت أَنَّك وَمَالك من كسب أَبِيك؟». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه عَن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي خَيْثَمَة، ثَنَا وهب بن يَحْيَى بن زِمَام العلاف، ثَنَا مَيْمُون بن زيد، عَن عمر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر بِهِ.
الطَّرِيق الْخَامِس:
طَرِيق الْحسن، عَن سَمُرَة بن جُنْدُب «أَن رجلا أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إنَّ أَبِي اجْتَاح مَالِي! فَقَالَ: أَنْت وَمَالك لأَبِيك». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه كَذَلِك، وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: «جَاءَ شَاب من الْأَنْصَار» وَقَالَ: «يَأْخُذ مَالِي» بدل «اجتاح مَالِي».
ثمَّ قَالَ: فِي هَذَا الْبَاب أَحَادِيث من غير هَذَا الْوَجْه وفيهَا لين، وَبَعضهَا أحسن من بعض، وَمن أحْسنهَا حَدِيث الْأَعْمَش، عَن مَنْصُور، عَن عمَارَة بن عُمَيْر، عَن عمته، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «أَوْلَادكُم من كسبكم؛ فَكُلُوا من كسب أَوْلَادكُم».
قلت: وَحَدِيث عَائِشَة هَذَا أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَسَيَأْتِي فِي كتاب النَّفَقَات- إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
الطَّرِيق السَّادِس:
طَرِيق عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَنْت وَمَالك لأَبِيك». قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب أَظُنهُ عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عمر فَذكره، فَقَالَ: هَذَا خطأ؛ إِنَّمَا هُوَ عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: أخرجه كَذَلِك أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه، وَذكره الْبَزَّار فِي مُسْنده من حَدِيث مطر، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عمر «أَن رجلا أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن أبي يُرِيد أَن يَأْخُذ مَالِي! قَالَ: أَنْت وَمَالك لأَبِيك» ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى عَن عمر هَكَذَا إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَقد رَوَاهُ غير مطر، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده.
الطَّرِيق السَّابِع:
عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ: «حضرت أَبَا بكر الصّديق فَقَالَ لَهُ رجل: يَا خَليفَة رَسُول الله، هَذَا يُرِيد أَن يَأْخُذ مَالِي كُله ويجتاحه! فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: إِنَّمَا لَك من مَاله مَا يَكْفِيك، فَقَالَ: يَا خَليفَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلَيْسَ قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنْت وَمَالك لأَبِيك؟ فَقَالَ أَبُو بكر: ارْض بِمَا رَضِي الله». رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَفِي إِسْنَاده: الْمُنْذر بن زِيَاد الطَّائِي الْبَصْرِيّ، قَالَ عَمْرو بن عَلّي: كَانَ كذَّابًا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك لَهُ مَنَاكِير. قَالَ: وَيُقَال فِيهِ: زِيَاد بن الْمُنْذر، وَإِنَّمَا هُوَ مُنْذر بن زِيَاد. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: ضَعِيف.
قلت: وَلِحَدِيث عَائِشَة السَّالِف طَرِيق آخر، ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي علله عَنْهَا قَالَت: «قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لرجل: رد عَلَى أَبِيك مَا حبست عَنهُ فَإِنَّمَا أَنْت وَمَالك سهم من كِنَانَته» ثمَّ قَالَ: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: هُوَ مُرْسل مُنكر. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: رُوِيَ مَوْصُولا ومرسلاً، وَهُوَ أصح.
فَائِدَة: قَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه: مَعْنَى الحَدِيث أَنه عَلَيْهِ السَّلَام زجر عَن مُعَامَلَته أَبَاهُ بِمَا يُعَامل بِهِ الأجنبيين، وَأمر ببره والرفق بِهِ فِي القَوْل وَالْفِعْل مَعًا، إِلَى أَن يصل إِلَيْهِ مَاله، فَقَالَ لَهُ: «أَنْت وَمَالك لأَبِيك» لَا أَن مَال الابْن يملكهُ أَبوهُ فِي حَيَاته من غير طيب نَفْس من الابْن. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: من زعم أَن مَال الْوَلَد لِأَبِيهِ احْتج بِظَاهِر هَذِه الْأَحَادِيث، وَمن زعم أَنه لَهُ من مَاله مَا يَكْفِيهِ إِذا احْتَاجَ إِلَيْهِ؛ فَإِذا اسْتَغنَى عَنهُ لم يكن للْأَب من مَاله شَيْء، احْتج بالأخبار الَّتِي وَردت فِي تَحْرِيم مَال الْغَيْر، وَأَنه لَو مَاتَ وَله ابْن لم يكن للْأَب من مَاله إِلَّا السُّدس، وَلَو كَانَ أَبوهُ يملك مَال ابْنه لحازه كُله، قَالَ: وَيروَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «كل أحد أَحَق بِمَالِه من وَالِده وَولده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ».
ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ وَرَوَى بعده حَدِيث أبي بكر السالف.
وَقَالَ صَاحب الْمُهَذّب فِي كتاب النَّفَقَات: لم يذهب أحدٌ من الفقهاءِ إِلَى إباحةِ المالِ لوالدهِ بِغَيْر سَبَب فِيمَا يُعلم. قَالَ: وَمَعْنى يجتاح مَالِي: يستأصله، وَمِنْه الْجَائِحَة.
وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: ذكر أَبُو بكر الْبَزَّار وَغَيره أَن هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ بِآيَة الْمِيرَاث.

.كتاب الصَدَاق:

كتاب الصَدَاق:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فثمانية:

.أَحدهَا:

عَن أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعَلِيهِ ردع زعفران، فَقَالَ: مَهيم. قَالَ: تزوجت امْرَأَة من الْأَنْصَار، فَقَالَ: مَا أَصدقتهَا؟ فَقَالَ: وزن نواة من ذهب- وَفِي رِوَايَة: عَلَى نواة من ذهب- فَقَالَ: بَارك الله لَك، أولم وَلَو بِشَاة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلم أر فِيهِ «رَدْع» وَإِنَّمَا فِيهِ «أثر صفرَة» أَو «وضر صفرَة». والردع- برَاء ودال وَعين مهملات-: أثر الطّيب، وَلم يقْصد؛ بل تعلق بِهِ. ومهيم- بِفَتْح الْمِيم وَإِسْكَان الْهَاء وَفتح الْمُثَنَّاة تَحت ثمَّ مِيم مَعْنَاهَا: مَا شَأْنك. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيُقَال إِنَّهَا كلمة يَمَانِية. قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: وَهِي كلمة تسْتَعْمل فِي التهاني رَآهَا البصريون من الْأُصُول كصَه، ومَه، وهَيْهَات.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: مَعْنَاهُ مَا هَذِه فَإِنَّهُ يسْتَعْمل فِي السُّؤَال.
والنواة: اسْم لخمسة دَرَاهِم، كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ وَكَذَا فَسرهَا أَكثر الْعلمَاء وفيهَا خلاف أوضحته فِي شرحي للعمدة فَليُرَاجع مِنْهُ. وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: أبنا إِسْمَاعِيل بن عبد الله، عَن حميد، عَن أنس قَالَ: وَذَلِكَ مَعْنَى النواة: دانقان من ذهب. قَالَ ابْن حزم: الدانق: سدس الدِّرْهَم الطَّبَرِيّ وَهُوَ الأندلسي، والدانقان: ثلث دِرْهَم أندلسي؛ فَهُوَ سدس مِثْقَال الذَّهَب، وَهَذَا خبر مُسْند.

.الحديث الثَّانِي:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْخَبَر الْمَشْهُور: «فَإِن مَسهَا فلهَا الْمهْر بِمَا اسْتحلَّ بِهِ من فرجهَا». هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي بَاب أَرْكَان النِّكَاح.

.الحديث الثَّالِث:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَدّوا العلائق قيل: وَمَا العلائق؟! قَالَ: مَا تراضى بِهِ الأهلون». هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، عَن مُحَمَّد بن مخلد، ثَنَا أَحْمد بن مَنْصُور، ثَنَا عَمْرو بن خَالِد الْحَرَّانِي، ثَنَا صَالح بن عبد الْجَبَّار، عَن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْبَيْلَمَانِي، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس- رَفعه-: «أنكحوا الْأَيَامَى وأدوا العلائق، قيل: مَا العلائق، قَالَ: مَا تراضى. عَلَيْهِ الأهلون وَلَو بقضيب من أَرَاك».
وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ صَالح هَذَا مَجْهُول الْحَال كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان، وَمُحَمّد ووالده تقدم بيانهما فِي كتاب الشُّفْعَة، قَالَ ابْن الْقطَّان: مُحَمَّد ضَعِيف. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث، وَأَبوهُ لم تثبت عَدَالَته، وعَمْرو بن خَالِد: صَدُوق وَلَيْسَ بالقرشي ذَاك كذَّاب. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَالتَّعْلِيل بِمَا ذَكرْنَاهُ هُوَ الصَّوَاب. وَأما تَعْلِيل عبد الْحق لَهُ بِأَنَّهُ يرْوَى مُرْسلا وَأَن الْمُرْسل أصح فَهُوَ من الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعبها بسوى الْإِرْسَال وَلها عُيُوب أخر غَيره. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: هَذَا الحَدِيث يرويهِ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر، وَخَالفهُ عُمَيْر بن عبد الله بن بشر الْخَثْعَمِي، وَالْحجاج بن أَرْطَاة، فَرَوَاهُ عَن عبد الْملك بن الْمُغيرَة الطَّائِفِي، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا، وَهُوَ الصَّوَاب، وَلما رَوَاهُ البَيْهَقي من هَذَا الْوَجْه- أَعنِي من حَدِيث عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور عَن رَسُول- قَالَ: هَذَا مُنْقَطع. قَالَ: وَقد قيل: عَن عبد الرَّحْمَن، عَن عمر بن الْخطاب، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَمن رِوَايَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا كَرِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ الْمُتَقَدّمَة. ثمَّ قَالَ: قَالَ ابْن عدي: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ضَعِيف، وَمُحَمّد بن الْحَارِث- يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي رِوَايَة ابْن عمر- ضَعِيف أَيْضا. قَالَ: والضعف عَلَى حَدِيثهمَا بَين.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَلِكَ قَالَه يَحْيَى بن معِين وَغَيره من مزكي الْأَخْبَار. قَالَ: وَلِلْحَدِيثِ شاهدٌ بإسنادٍ آخر فَذكره من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده: أَبُو هَارُون الْعَبْدي، وَهُوَ غير مُحْتَج بِهِ، قَالَ: وَقد رُوِيَ من وَجه آخر ضَعِيف عَن أبي سعيد مَرْفُوعا.

.الحديث الرَّابِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من اسْتحلَّ بِدِرْهَمَيْنِ فقد اسْتحلَّ- أَي: طلب الْحل». هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من رِوَايَة يَحْيَى بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَبِيبَة عَن أَبِيه عَن جده أبي لَبِيبَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من اسْتحلَّ بدرهم فقد اسْتحلَّ- يَعْنِي: النِّكَاح».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة، عَن وَكِيع، عَن ابْن أبي لَبِيبَة، عَن جده عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، قلت: وَأخرج هَذَا الحَدِيث الشَّافِعِي بلاغًا.

.الحديث الخَامِس:

عَن أبي سَلمَة قَالَ: «سَأَلت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مَا كَانَ صدَاق رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَت: كَانَ صداقه لأزواجه اثنى عشر أُوقِيَّة ونشًّا، أَتَدْرِي مَا النش؟ قلت: لَا قَالَت: نصف أُوقِيَّة». هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه.
الأُوقيّة: بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء. والنَشُّ: بِفَتْح النُّون ثمَّ شين مُعْجمَة مُشَدّدَة. وَالْمرَاد بالأوقية: أُوقِيَّة أهل الْحجاز وَهِي أَرْبَعُونَ درهما.
وَأخرج الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك هَذَا الحَدِيث بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ؛ فَهُوَ فِي صَحِيحه كَمَا قدمْنَاهُ قبل إِلَيْهِ.

.الحديث السَّادِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «كل شَرط لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ بَاطِل» هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فِي حَدِيث بَرِيرَة الطَّوِيل وَقد سلف.

.الحديث السَّابِع:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى فِي بروع بنت واشق- وَقد نكحت بِغَيْر مهرٍ فَمَاتَ زَوجهَا- بِمهْر نسائها وَالْمِيرَاث». هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد، أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، فِي سُنَنهمْ وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ من رِوَايَة معقل بن يسَار الْأَشْجَعِيّ، وَهُوَ أَبُو سِنَان أَو أَبُو مُحَمَّد، أَو أَبُو عبد الرَّحْمَن، أَو أَبُو يزِيد، أَو أَبُو عِيسَى أَقْوَال، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي رسَالَته الْكُبْرَى فِي إبِْطَال الْقيَاس: لَا مغمز فِيهِ لصِحَّة إِسْنَاده. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الإِمَام الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: قد رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي هُوَ وَأمي- «أَنه قَضَى فِي بروع بنت واشق وَقد نكحت بِغَيْر مهرٍ، فَمَاتَ زَوجهَا، فَقَضَى لَهَا بِمهْر نسائها وَقَضَى لَهَا بِالْمِيرَاثِ» فَإِن كَانَ يثبت عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ أولَى الْأُمُور بِنَا، وَلَا حجَّة فِي قَول أحد دون النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَثُرُوا، وَلَا فِي قِيَاس وَلَا شَيْء فِي قَوْله إِلَّا طَاعَة الله بِالتَّسْلِيمِ لَهُ وَإِن كَانَ لَا يثبت عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن لأحد أَن يثبت عَنهُ مَا لم يثبت وَلم أحفظه عَنهُ من وَجه يثبت مثله. هُوَ مرّة يُقَال: عَن معقل بن يسَار، وَمرَّة عَن معقل بن سِنَان، ومرَّة عَن بعض أَشْجَع لَا يُسمى. هَذَا كَلَام الشَّافِعِي برمتِهِ وَهُوَ نَصه فِي الْأُم بِحُرُوفِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث اضْطِرَاب، قيل: رَوَاهُ معقل بن سِنَان، وَقيل: معقل بن يسَار، وَقيل: رجل من أَشْجَع، أَو نَاس من أَشْجَع، وَنقل الرَّافِعِيّ أَيْضا عَن صَاحب التَّقْرِيب أَنه صحّح الحَدِيث، وَأَنه قَالَ الِاخْتِلَاف فِي الرَّاوِي لَا يضر؛ لِأَن الصَّحَابَة عدُول كلهم وَلِأَنَّهُ يحْتَمل أَن بَعضهم نسبه إِلَى أَبِيه، وَبَعْضهمْ إِلَى جدٍّ لَهُ قريب أَو بعيد، وَبَعْضهمْ إِلَى قومه وقبيلته. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بعد أَن نقل كَلَام الشَّافِعِي السالف: لَكِن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي إِمَام من أَئِمَّة الحَدِيث. رَوَاهُ وَذكر إِسْنَاده ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. قَالَ: وَقد سَمّى فِيهِ معقل بن سِنَان، وَهُوَ صَحَابِيّ مَشْهُور. وَقَالَ فِي خلافياته: إِسْنَاده صَحِيح وَرُوَاته ثِقَات. قَالَ: وَمَعْقِل بن سِنَان صَحَابِيّ مَشْهُور. قَالَ فِي سنَنه وَرَوَاهُ يزِيد بن هَارُون، وَهُوَ أحد حفاظ الحَدِيث مَعَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي بِإِسْنَاد صَحِيح... وَذكر سَنَده، ثمَّ سَاقه الْبَيْهَقِيّ باخْتلَاف طرقه ثمَّ قَالَ فيهمَا: هَذَا الِاخْتِلَاف فِي قصَّة بروع بنت واشق عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يوهن الحَدِيث؛ فَإِن جَمِيع هَذِه الرِّوَايَات أسانيدها صِحَاح، وَفِي بَعْضهَا مَا دلّ عَلَى أَن جمَاعَة من أَشْجَع شهدُوا بذلك؛ فَكَأَن بعض الروَاة يُسمى مَعَهم، وَبَعْضهمْ سَمّى اثْنَيْنِ، وَبَعْضهمْ أطلق وَلم يسم، وَمثله لَا يرد الحَدِيث، وَلَوْلَا ثِقَة من رَوَاهُ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كَانَ لفرح عبد الله بن مَسْعُود بروايته مَعْنَى، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: قَالَ أَبُو زرْعَة الَّذِي قَالَ معقل بن سِنَان هُوَ أصح.
قلت: وَهَذَا قريب، وَقَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين فِي حَوَاشِي السّنَن: هَذَا الحَدِيث صَححهُ التِّرْمِذِيّ، وَبِه قَالَ أَصْحَاب الرَّأْي. قَالَ: وَهُوَ أصح قولي الشَّافِعِي. قَالَ: وَمَا يرْوَى من أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: لَا يعقل معقل بن سِنَان أَعْرَابِي يَبول عَلَى عَقِبَيْهِ فَلم يَصح ذَلِك عَنهُ.
قلت: وَكَذَلِكَ تَضْعِيف الْوَاقِدِيّ لَهُ بِأَنَّهُ حَدِيث ورد إِلَى الْمَدِينَة من أهل الْكُوفَة فَمَا عرفه أحد من عُلَمَاء الْمَدِينَة وَلأَجل ذَلِك قَالَ مَالك: يقدم إِيجَاب مهرهَا كَمَا حُكيَ عَن عَلّي وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَزيد بن ثَابت لَا يقْدَح؛ لِأَن مثل هَذَا كثير فِي الحَدِيث، قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وفِي الْمُسْتَدْرك: سَمِعت أَبَا عبد الله الْحَافِظ، وَقيل لَهُ: سَمِعت الْحسن بن سُفْيَان يَقُول: سَمِعت حَرْمَلَة بن يَحْيَى يَقُول: سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول: إِن صَحَّ حَدِيث بروع بنت واشق قلت بِهِ، فَقَالَ أَبُو عبد الله: لَو حضرت الشَّافِعِي لقمت عَلَى رُءُوس أَصْحَابه وَقلت: فقد صَحَّ الحَدِيث فَقل بِهِ. فَقَالَ الْحَاكِم: فالشافعي إِنَّمَا قَالَ: لَو صَحَّ الحَدِيث؛ لِأَن هَذِه الرِّوَايَة إِن كَانَت صَحِيحَة فَإِن الْفَتْوَى فِيهِ لعبد الله بن مَسْعُود وَسَنَد الحَدِيث لنفر من أَشْجَع. قَالَ: وَشَيخنَا أَبُو عبد الله رَحِمَهُ اللَّهُ إِنَّمَا حكم بِصِحَّة الحَدِيث؛ لِأَن الثِّقَة قد سَمّى فِيهِ رجلا من الصَّحَابَة وَهُوَ معقل بن سِنَان الْأَشْجَعِيّ، قَالَ: وبصحة مَا ذكرته أخبرنَا الْقطيعِي، قَالَ: نَا عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن عبد الرَّحْمَن بن مهدى، عَن سُفْيَان، عَن فراس عَن الشّعبِيّ، عَن مَسْرُوق، عَن عبد الله «فِي رجل تزوج امْرَأَة فَمَاتَ وَلم يدْخل بهَا وَلم يفْرض لَهَا، فَقَالَ: لَهَا الصَدَاق كَامِلا وَعَلَيْهَا الْعدة وَلها الْمِيرَاث. فَقَامَ معقل بن سِنَان فَقَالَ شهِدت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى بِهِ فِي بروع بنت واشق» فَصَارَ الحَدِيث صَحِيحا عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.
وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن دَقِيق الْعِيد أَيْضا فِي آخر الاقتراح فِي الْقسم الرَّابِع فِي أَحَادِيث رَوَاهَا من أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلم يخرجَا تِلْكَ الْأَحَادِيث. وَخَالف الْحفاظ كلهم أَبُو بكر بن أبي خَيْثَمَة فَقَالَ فِي تَارِيخه فِي تَرْجَمَة معقل بن سِنَان: هَذَا حَدِيث مُخْتَلف فِيهِ. قَالَ أَبُو سعيد الدَّارمِيّ: مَا خلق الله معقل بن سِنَان قطّ، وَلَا كَانَت بروع بنت واشق قطّ! قَالَ النَّوَوِيّ فِي التَّهْذِيب هَذَا الذي قَالَه الدَّارمِيّ غلط مِنْهُ وجهالة؛ لما عَلَيْهِ الْحفاظ وَالصَّوَاب أَنه حَدِيث صَحِيح، وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا لأنبه عَلَى بُطْلَانه؛ لِئَلَّا يرَاهُ من لَا يعرف حَاله فيتوهمه صَحِيحا، وَلَقَد أحسن صَاحب التَّقْرِيب من أَصْحَابنَا حَيْثُ صحّح الحَدِيث كَمَا تقدم نَقله عَنهُ، وَقَالَ: الِاخْتِلَاف فِي الرَّاوِي لَا يضر؛ لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول، وَلِأَنَّهُ يحْتَمل أَن بَعضهم نسبه إِلَى أَبِيه وَبَعْضهمْ إِلَى جدٍّ لَهُ قريب أَو بعيد، وَبَعْضهمْ إِلَى قومه وقبيلته وَعبر الشَّيْخ الْمُسَمَّى: نجم الدَّين بن الرّفْعَة فِي كتاب الْمطلب شرح الْوَسِيط عَن هَذَا بِأَن قَالَ: يحْتَمل أَن يسارا أَبوهُ وسنانًا جده وَأَشْجَع قبيلته فنسبه أحد الروَاة لِأَبِيهِ، وَالْآخر لجده، وَالْآخر لقبيلته.
فَائِدَتَانِ:
أَحدهمَا: اسْم زوج بروع: هِلَال بن مرّة الْأَشْجَعِيّ، وَقيل: هِلَال بن مَرْوَان، ذكره ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم.
الثَّانِيَة: مَعْقِل: بِفَتْح الْمِيم، وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف.
وَسنَان: بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة، وَبعد نون مَفْتُوحَة وَبعد الْألف نون.
وبِرْوع: بباء مُوَحدَة مَكْسُورَة ثمَّ رَاء مُهْملَة سَاكِنة، ثمَّ وَاو مَفْتُوحَة ثمَّ عين مُهْملَة، وأبوها واشق- بالشين الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة وبالقاف- وهى كلابية، وَقيل: أشجعية.
قَالَ الْجَوْهَرِي فِي صحاحه: أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: بروع بِكَسْر الْبَاء، وَالصَّوَاب الْفَتْح؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَام فِعوَل إِلَّا خِرْوَع وَهُوَ اسْم لكل نبت يتثنى، وعتود: اسْم وادٍ. وَذكر صَاحب الْمُحكم فِي بروع، نَحْو قَول الْجَوْهَرِي، وَقَالَ القلعي فِي كِتَابه أَلْفَاظ الْمُهَذّب:
سَمَاعنَا فِيهَا بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَكْسُورَة وَالرَّاء الْمُهْملَة، قَالَ: وَالْمَعْرُوف عِنْد أهل اللُّغَة فِي الْأَسْمَاء: تزوع بِالتَّاءِ المثناه فَوق وَالزَّاي الْمُعْجَمَة. قَالَ النَّوَوِيّ: فِي تهذيبه وَهَذَا الَّذِي قَالَه تَصْحِيف، وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ.
قلت: وَنقل الْمُنْذِرِيّ هَذَا المحكي عَن أهل اللُّغَة، عَن بَعضهم وَأفَاد أَنه بِكَسْر التَّاء عَلَى هَذِه اللُّغَة قَالَ: وَالْمَحْفُوظ الْمَشْهُور بروع بِكَسْر الْبَاء كخروع لورقٍ وعتود لوادٍ.